إسماعيل المنصوري وتأسيس اول فريق لكرة القم فى الخليج العربي

إسماعيل المنصوري وتأسيس اول فريق لكرة القم فى الخليج العربي

كرة القدم.. هذه اللعبة الشعبية التي أخذ عشقها والتعلق بها ممارسة أو مشاهدة يزداد ويتسع في كافة أرجاء المعمورة منذ أنْ ابتدعها الصينيون وتلقاها الإنجليز وطوروها ونمُّوها. هذه اللعبة كما هو مشاهَد أسرت جموعاً من البشر وأحبوها كهواية ونشاط وممارسة وغدت محل متابعتهم واهتمامهم والتفافهم حولها. قد تُغضب نتائجها البعض وتبكيهم أحياناً، غير أنها تُسعِد الكثيرين وتُفرِحُهم في أغلب الأوقات.
ولا يختلف أحد من متابعيها وممارسيها والمعنيين بشأنها أن لها في الحقيقة فِعْل السحر وتأثيره في التقارب والتعاون والأُلفة والعلاقات الممتدة بين الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، بدليل أنها قد وظَّفت الكثيرين في العمل على وضع اللوائح والقوانين والقياسات والمساحات بصدد تنظيم شؤونها وإدارتها بانتظام، وجعلتهم يبحثون عن كل جديد يساهم في تطوير أدائها واجتذاب الجماهير إليها سواء أكان ذلك في الملاعب والمدرجات أم عبر الشاشة الفضية.
ولولا هذا الغرام والعشق المتوارث عبر أكثر من قرن من الزمن لَما شاهدنا وعرفنا وعلِمنا كم من المبالغ والأموال تُصرَف على نجومها وسحرتِها الذين يمتعوننا من خلال أدائهم الراقي والرائع والجذاب، وكذلك على المدربين والحكام والأطباء والمسعفين والإداريين وغيرهم ممن علق في زوايا المهن مثل السماسرة والرعاة وغيرهم.
والعنصر الرئيسي في هذه اللعبة هي الكرة، وهي أداتها المطواعة والمصنوعة من الجلد والتي يُملأ فراغها هواء منقى مصفى قد يكون له فِعْل السحر، بحيث يجعلها مستديرة بكامل وزنها القانوني وجاهزة للاستعمال، فهو يصحبها في الطيران والدحرجة والتنطيط والزحف والصعق والدَّوي، والكرة تستريح لمن يحسن العطف عليها ويعاملها برفق وحنِّية، وهذا لا يتأتى إلا لمن يشعر بقيمتها فيحسن تمريرها لزميل ويتبادل مع غيره إرسالها واستقبالها واختيار الأماكن المناسبة ليضعها في المرمى، محدثًا ذلك الإعجاب والتصفيق وتردُّد صدى الأكف التي قد لا تهدأ إلا بعد وقت غير قليل من الفرحة والسعادة.
وحيث إن هذه الرياضة قد انتشرت على نحو واسع في العديد من الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية والدول الآسيوية والأفريقية، وبالطبع في الدول العربية التي سبقتها فيها مصر، فإن البحرين قد نالت نصيبها من كعكة هذه اللعبة مبكراً إذ طرقت ساحاتها وملاعبها مع نهايات عشرينيات القرن الماضي، حيث كان قد تشَكَّل فريق أُطلِق عليه اسم (الخليفية) أسسه المغفور له الشيخ علي بن محمد بن عيسى آل خليفة في مدينة المحرق سنة 1928. وتزامن معه في الظهور فريق آخر بالعاصمة المنامة حمل اسم (الوطنية) كان ممن ساهم في تأسيسه المرحوم محمود أحمد العلوي أول وزير للمالية مع استقلال البحرين عام 1971، وشاركه في ذلك أخوه عباس أحمد العلوي وأيوب حسن ومحمد خليل وآخرون.
إذاً كانت البداية في عام 1928، وحينها كانت اللقاءات والمباريات نادرة وقليلة بحكم أن الفرق كانت قليلة في عهد المغفور لهما الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين وقتها ومن بعده نجله الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة الذي ازدادت في عهده الفرق الكروية مثل فريق (جلوستان) بالمنامة الذين أسسه عبدالرزاق محمد طيب وأخوه عبدالحميد.
ومن الطبيعي ألا يرتقي الأداء في ذلك العصر إلى مستوى المتعة والإثارة، إلا أن لعبة الكرة كانت حدثًا جديدًا على أبناء وشباب البحرين حينها، وكانت المعرفة باللعبة ومتطلباتها وقوانينها وفنونها بسيطة إنْ لم تكن معدومة، فلم تتعدَّ أساليب المعرفة بها غير ركْل الكرة وتصويبها على أي نحو كان، أي بدون توجيه أو تقدير وتحديد للمسافة أو المكان المطلوب إرسال الكرة إليه، وكذلك الاستقبال يكونان نادرًا حيث يقتصر الأمر على إعادة الكرة من حيث أتت بدون تهيئة وتمعُّن، وإذا ما جرى لاعب بالكرة وواجهه آخر اصطدم به وعندها تأخذ الكرة مسارًا آخر بسبب قلة المعرفة بالمراوغة.
وهذا – بلاشك – ما أتصوره من سيناريو بدايات ممارسة لعبة كرة القدم في البلاد. وفيما عدا ذلك فقد أفضى إليَّ المرحوم الأستاذ محمد قاسم الشيراوي الذين كان نجم وسط فريق المحرق منذ الأربعينيات حتى منتصف الخمسينيات أنه لعِب لفريق (الخليفية) وهو في سن الخامسة عشرة، فهو من مواليد المحرق عام 1916، وأنه والمرحوم إسماعيل المنصوري كانا أصغر اللاعبين في الفريق، وأنهما كانا يلعبان كمهاجمَين وكانا الأبرز من بين زملائهم اللاعبين أيامها فنًّا ومهارة وكان يجاريهما في الأداء الجيد المغفور له الشيخ علي بن عبدالله بن عيسى آل خليفة وكان يشغل لاعب وسط، والمغفور له الشيخ خليفة بن محمد بن عيسى آل خليفة وكان يلعب في مركز الجناح الأيمن، والذي شغل منصب رئيس جهاز الشرطة والأمن العام فترة من الزمن.
وأضاف الشيراوي بأن فريق (الخليفية) كان يضم أيضًا عبدالرزاق بلال في حراسة المرمى، وفي خط الدفاع صالح عبدالرحمن البلوشي ويوسف العمران وفرج إدريس وعيسى ماجد ويوسف عبيدلي ومحمد شمس وعلي إبراهيم وعبدالعزيز الشملان. وكان من الفاعلين في إدارة الفريق المغفور له الشيخ حمد بن محمد بن عيسى آل خليفة مدير دائرة الجوازات فترة من الزمن، والذي تولى رئاسة اتحاد الكرة القدم عند تأسيسه عام 1957، والمرحومان راشد وأحمد ابنا عبدالرحمن الزياني وعبدالله عبدالرحمن فخرو.
ولم يدم تكوين هذا الفريق طويلاً، ففي منتصف الثلاثينات أخذ أولئك اللاعبون يبتعدون عن ممارسة اللعب بحكم كون أغلبهم طلابًا حديثي السن وتقرَّر توجُّه أغلبهم للدراسة في جامعات مصر ولبنان، الأمر الذي انعكس على توقُّف النشاط الرياضي الكروي ولاسيما أنه تزامن مع أجواء ونُذُر الحرب العالمية الثانية. ثم إنه مع مرور الوقت لم يلبث اللاعبون الآخرون أن ينخرطوا في دولاب العمل وتحصيل الرزق، مما أفضى إلى انحلال الفرق الثلاثة (الخليفية والوطنية وجلوستان).
وسبق وأنْ أشرنا إلى ندرة وقلة المباريات بين فرق ذلك الوقت، وكان العُرْف حينها أن الهزيمة أو الخسارة أمر لا يطاق ولا يُحتمَل، ولذا استعاضت عن لقاءاتها البينية بالسعي للتباري مع فرق البوارج وكاسحات الألغام البريطانية التي كانت تجوب المنطقة وتبحر في مياه الخليج العربي في ذاك الزمن. ومن تلك اللقاءات والمباريات والاحتكاكات أخذ بعض اللاعبين البحرينيين الموهوبين تعلُّم واكتساب المهارات الفردية تدريجيًّا مثل التأني وعدم التسرع في اللعب والاحتفاظ بالكرة والجري بها والمراوغة والمحاورة والتمرير وحُسْن الاستقبال والانطلاق بالكرة والتسديد نحو المرمى لإحراز الأهداف.
ومع بدء حلول عقد الأربعينيات، وتفاعلاً ما يدور في العالم من أحداث تطورات وبالذات في مجال الرياضة، وبالرغم من ظروف الحرب العالمية المخيمة، عاودت الكرة إطلالتها الرياضية، فتشكلت فرق الأهلي وجلوستان/2 والفردوسي في المنامة، والشبيبة والفتيان والأهلي (المحرقي) الذي سرعان ما تحول اسمه إلى فريق نادي المحرق، الذي يعدُّ في الواقع امتداداً لفريق الخليفية من حيث الصيت واللاعبين.
وقد انحصرت نشاطات تلك الفرق في إقامة مباريات متباعدة مع فرق زائرة أو منتخبات من الفرق المحلية والتي تتشكل بجهود فردية، وكانت تعمد للسفر إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة للعب مباريات ودية مع فرق الجاليات المقيمة هناك ومنها الجاليتان السودانية والإيطالية، وفي المقابل دعوة فرق الجاليات لزيارة البحرين للقاء مجددًا.
وفي تلك الفترة سعى فريق المحرق إلى تشكيل لجنة للإشراف على كرة القدم، وحين تشكلت فعلاً ترأسها المرحوم الشيخ حمد بن محمد بن عيسى آل خليفة وضمت المرحوم إبراهيم علي كانو والمرحوم عبدالرحمن عاشير وحكم دولي إنجليزي يدعى سيج كان يعمل في سلاح الطيران الملكي وقتها.
وفي الواقع أن الانتشار الواسع للعبة كرة القدم في البحرين تحقق في عهد المغفور له الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها، حيث اتسم عقد الخمسينيات بالتنظيم الجيد والمبرمج والإعداد والترتيب للمسابقات الرياضية المدرسية التي كانت تمثل قاعدة صلبة عريضة للفرق والأندية المحلية في مختلف الألعاب، إلا أنه كان لكرة القدم النصيب الأكبر من الاهتمام والمتابعة والجمهور، فضلاً عن كثرة المواهب والنجوم الأفذاذ، ووقتها شهدت الساحة بروز فرق المحرق والهلال وسلاح الجو البريطاني والأهلي والفردوسي وبابكو وجلوستان.
وفي عام 1952 ونظرًا لحاجة هذه الفرق لمنافسات ولقاءات مثيرة للجمهور تأسس اتحاد رياضي لكرة القدم برئاسة المرحوم الشيخ حمد بن محمد بن عيسى وضم في عضويته عبدالحميد خنجي وعبدالله الشروقي ورجب زايد وآخرين. وبدأت المباريات تكتسب طابعاً فنياً جاداً حيث ارتقى فيه مستوى أداء اللاعبين وأصبحت لهم صولات وجولات على الساحة في فنون اللعبة سواء في حراسة المرمى أو في خطوط الدفاع والوسط والهجوم، وبرز منهم نخبة كبيرة من مختلف الفرق الكروية.
فمن فريق المحرق محمد قاسم الشيراوي والشيخ حسن بن علي بن محمد آل خليفة والشيخ محمد بن راشد بن عبدالله آل خليفة وعبدالعزيز جلال ومحمد محماس الشهير بـ(بيق) ومال الله مرزوق ورجب زايد والشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة وعذبي شملان الجلاهمه ومحمد علي أبل وحسن منصوري وعبدالله سالمين وعبدالله الحمد وعبدالقادر ياسين وعلي اسفنديار وجاسم المعاودة (وكان لاعباً ومدرباً، وانتقل لاحقا إلى فريق الأهلي.
ومن فريق الهلال علي بن الشيخ وناصر بونفور وعيسى بونفور وإدريس مال الله وعامر سعد وسالمين زايد ومحمد شريدة وأحمد شمسان ومحمد مبارك القحطاني وعيسى محمد راشد الشهير بـ(مطيويع) وعابدين السيد وحسن حجي علي.
ومن فريق الأهلي جليل العريض ومحمود أكبري وعبدالله أكبر علي رضا وعلي شُبَّر وعبدالنبي الصفار وعباس خليل وفهد المنصور وعبدالملك الحمر وإبراهيم كانو وعلي كمنكه ويوسف الصباغ وعبدالله حمزة ويوسف ياسين وأحمد تقي وعبدالرحمن الكردي ومحمود الديلمي.
ومن فريق الفردوسي عبدالرزاق بهبهاني وإسحاق كرم ورسول مدارا وعيسى فتاحي وكريم أغا. ويضاف لكل هؤلاء لاعبون آخرون من فرق الشركات وفرق الجاليات المقيمة في البحرين.
وفيما يخص البطولات في ذلك الوقت فقد استطاع فريق شركة نفط البحرين (بابكو) الاحتفاظ بدرع الدوري أغلب المرات، فيما احتفظ فريق المحرق بالكأس. وبعد التشكيل الجديد للاتحاد الرياضي لكرة القدم عام 1957 تمكن المحرق من الاستحواذ على بطولتي الكأس والدوري. وقد تمخض التشكيل للاتحاد استثناء فرق الجاليات الأجنبية مثل فريق القوة الجوية البريطانية وفريق بابكو من الانضواء تحت مظلته واستبعدها من المشاركة في مسابقاته، وعليه فقد اقتُصِرت المنافسة في المسابقات على الفرق المحلية.